فصل: ولما تسلطن الملك الصالح صالح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 ولما تسلطن الملك الصالح صالح

نقل أخاه الملك الناصر حسنًا هذا إلى حيث كان هو ساكنًا ورتب في خدمته جماعة وأجرى عليه من الرواتب ما يكفيه‏.‏

ثم طلب الملك الصالح أخاه حسنًا ووعده أيضًا بزيادة على إقطاعه وزاد راتبه‏.‏

وزالت دولة الملك الناصر حسن‏.‏

فكانت مدة سلطنته هذه الأولى ثلاث سنين وتسعة أشهر وأربعة عشر يومًا منها مدة الحجر عليه ثلاث سنين ومدة استبداده بالأمر نحو تسعة أشهر وأربعة عشر يومًا‏.‏

وكان القائم بدولته في أيام الحجر عليه الأمير شيخون العمري رأس نوبة النوب وإليه كان أمر خزانة الخاص ومرجعه لعلم الدين بن زنبور ناظر الخاص‏.‏

وكان الأمير منجك اليوسفي الوزير والأستادار ومقدم المماليك إليه التصرف في أموال الدولة‏.‏

والأمير بيبغا أرس نائب السلطنة وإليه حكم العسكر وتدبيره والحكم بين الناس‏.‏

وكان المتولي لتربية السلطان حسن خوند طغاي زوجة أبيه ربته وتبنت به‏.‏

وكانت الست حدق الناصرية دادته‏.‏

وكان الأمراء المذكورون رتبوا له في أيام سلطنته في كل يوم مائة درهم يأخذها خادمه من خزانة الخاص وليس ينوبه سواها وذلك خارج عن سماطه وكلفة حريمه فكان ما ينعم به السلطان حسن في أيام سلطنته ويتصدق به من هذه المائة درهم لا غير إلى أن ضجر من الحجر وسافر النائب بيبغا أرس والأمير طاز إلى الحجاز وخرج شيخون إلى العباسة للصيد واتفق السلطان حسن مع مغلطاي الأمير آخور وغيره على ترشيده فترشد حسب ما ذكرناه‏.‏

واستبد بالدار المصرية‏.‏

ثم قبض على منجك وشيخون وبيبغا أرس إلى أن كان من أمره ما كان على أنه سار في سلطنته بعد آستبداله بالأمور مع الأمراء أحسن سيرة فإنه اختص بالأمير طاز بعد حضوره من الحجاز وبالغ في الإنعام عليه‏.‏

وكانت أيامه شديدة كثرت فيها المغارم بما أحدثه الوزير منجك بالنواحي وخربت عدة أملاك على النيل واحترقت مواضع كثيرة بالقاهرة ومصر وخرجت عربان العائد وثعلبة وعرب الشام وعرب الصعيد عن الطاعة واشتد فسادهم لاختلاف كلمة مدبري المملكة‏.‏

وكان في أيامه الفناء العظيم المقدم ذكره الذي لم يعهد في الإسلام مثله‏.‏

وتوالى في أيامه شراقي البلاد وتلاف الجسور وقيام ابن واصل الأحدب ببلاد الصعيد فآختلت أرض مصر وبلاد الشام بسبب ذلك خللًا فاحشًا كل ذلك من اضطراب المملكة واختلاف الكلمة وظلم الأمير منجك وعسفه‏.‏

وأما الملك الناصر حسن المذكور فإنه كان في نفسه مفرط الذكاء عاقلًا وفيه رفق بالرعية ضابطًا لما يدخل إليه وما يصرفه كل يوم متدينًا شهمًا لو وجد ناصرًا أو معينًا لكان أجل الملوك‏.‏

يأتي بيان ذلك في سلطنته الثانية إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما سلطنته هذه المرة فلم يكن له من السلطنة إلا مجرد الاسم فقط وذلك لصغر سنه وعدم من يؤيده‏.‏

انتهى‏.‏

السنة الأولى من سلطنة الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون الأولى وهي سنة تسع وأربعين وسبعمائة على أنه حكم من الخالية من رابع عشر شهر رمضان‏.‏

فيها أعني سنة تسع وأربعين كان الوباء العظيم المقدم ذكره في هذه الترجمة وعم الدنيا حتى دخل إلى مكة المشرفة ثم عم شرق الأرض وغربها فمات بهذا الطاعون بمصر والشام وغيرهما خلائق لا تحصى‏.‏

فمن مات فيه من الأعيان الشيخ المحدث برهان الدين بن لاجين بن عبد الله الرشيدي الشافعي في يوم الثلاثاء تاسع عشرين شوال ومولده في سنة ثلاث وسبعين وستمائة‏.‏

وكان أخذ القراءات عن التقي الصائغ وسمع من الأبرقوهي وأخذ الفقه عن العلم العراقي وبرع في الفقه والأصول وتوفي الشيخ الأديب شهاب الدين أبو العباس أحمد بن مسعد بن أحمد بن ممدود السنهوري المادح الضرير‏.‏

وكانت له قدرة زائدة على النظم ومدح النبي صلى الله عليه وسلم بعدة قصائد‏.‏

وشعره كثير إلى الغاية لا سيما قصائده النبوية وهي مشهورة في حفظ المداح‏.‏

وتوفي القاضي الإمام البارع الكاتب المؤرخ المفتن شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن القاضي محيي الدين يحيى بن فضل الله بن المجلى بن دعجان القرشي العدوي العمري الدمشقي الشافعي في تاسع ذي الحجة بدمشق‏.‏

ومولده في ثالث شوال سنة سبعمائة‏.‏

وكان إمامًا بارعًا وكاتبًا فقيهًا‏.‏

نظم كثيرًا من القصائد والأراجيز والمقطعات ودوبيت وأنشأ كثيرًا من التقاليد والمناشير والتواقيع وكتب فى الإنشاء لما ولي والده كتابة سر دمشق ثم لما ولي والده كتابة السر بمصر أيضًا صار ولده أحمد هذا هو الذي يقرأ البريد على الملك الناصر محمد بن قلاوون وينفذ المهمات واستمر كذلك في ولاية والده الأولى والثانية حتى تغير السلطان عليه وصرفه في سنة ثمان وثلاثين وأقام أخاه علاء الدين عليًا وكلاهما كانا يكتبان بحضرة والدهما ووجوده نيابة عنه لكبر سنه وتوجه شهاب الدين إلى دمشق حتى مات بها في التاريخ المذكور‏.‏

وكان بارعًا في فنون وله مصنفات كثيرة منها تاريخه ‏"‏ مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ‏"‏ في أكثر من عشرين مجلدًا وكتاب ‏"‏ فواصل السمر في فضائل آل عمر ‏"‏ في أربع مجلدات ‏"‏ والدعوة المستجابة ‏"‏ ‏"‏ وصبابة المشتاق ‏"‏ في مجلد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ودمعة الباكي ‏"‏ ‏"‏ ويقظة الساهي ‏"‏ و ‏"‏ نفحة الروض ‏"‏‏.‏

قال الشيخ صلاح الدين خليل الصفدي‏:‏ وأنشدني القاضي شهاب الدين ابن فضل الله لنفسه ونحن على العاصي هذين البيتين‏:‏ لقد نزلنا على العاصي بمنزلة زانت محاسن شطيه حدائقها تبكي نواعيرها العبرى بأدمعها لكونه بعد لقياها يفارقها قال‏:‏ فأنشدته لنفسي‏:‏ وناعورة في جانب النهر قد غدت تعبر عن شوق الشجي وتعرب فيرقص عطف الغصن تيهًا لأنها تغني له طول الزمان ويشرب وتوفي الأمير سيف الدين أطلمش الجمدار كان أولًا من أمراء مصر ثم ولي حجوبية دمشق إلى أن مات وكان مشكور السيرة‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين بلك بن عبد الله المظفري الجمدار أحد أمراء الألوف بالديار المصرية في يوم الخميس رابع عشرين شوال‏.‏

وكان من أعيان الأمراء وقد تقدم ذكره فيما مر‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين برلغي بن عبد الله الصغير قريب السلطان الملك المنصور قلاوون‏.‏

قدم إلى القاهرة صحبة القازانية سنة أربع وسبعمائة فأنعم عليه الملك الناصر بإمرة بديار مصر وتزوج بابنة الأمير بيبرس الجاشنكير قبل سلطنته وعمل له مهمًا عظيمًا أشعل فيه ثلاثة آلاف شمعة‏.‏

ثم قبض عليه الملك الناصر بعد زوال دولة الملك المظفر وامتحن بسبب صهره وحبسه الملك الناصر عشرين سنة ثم أفرج عنه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف فدام على ذلك إلى أن مات‏.‏

وبرلغي هذا يلتبس ببرلغي الأشرفي كلاهما كان عضدًا للملك المظفر بيبرس الجاشنكير وكانا في عصر واحد‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين بلبان بن عبد الله الحسني المنصوري أمير جاندار وقد أناف على ثمانين سنة فإنه كان من مماليك الملك المنصور قلاوون‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين بكتوت بن عبد الله القرماني المنصوري أحد المماليك المنصورية قلاوون أيضًا وكان أحد البرجية‏.‏

ثم ولي شد الدواوين بدمشق وحبسه الملك الناصر محمد بن قلاوون مدة لأنه كان من أصحاب المظفر بيبرس ثم أطلقه وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه بمصر‏.‏

وكانت به حدبة فاحشة وولع بتتبع المطالب وعمل الكيمياء وضاع عمره في البطال‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين تمربغا بن عبد الله العقيلي نائب الكرك في جمادى الآخرة وكان عاقلًا شجاعًا مشكور السيرة‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام كمال الدين جعفر ابن ثعلب بن جعفر بن علي الأدفوي الفقيه الأديب الشافعي‏.‏

كان فقيهًا بارعًا أديبًا مصنفًا ومن مصنفاته تاريخ الصعيد المسمى بالطالع السعيد في تاريخ الصعيد وله مصنفات أخر وشعر كثير‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين طشتمر بن عبد الله الناصري أحد أمراء الألوف بالديار المصرية المعروف بطلليه في شوال بالقاهرة وقيل له‏:‏ طلليه لأنه كان إذا تكلم قال في آخر كلامه‏:‏ طلليه‏.‏

وهو من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخاصكيته وصار من بعده من أعيان الأمراء بالديار المصرية وله تربة بالصحراء معروفة به وكان شجاعًا مقدامًا‏.‏

وتوفيت خوند طغاي أم آنوك زوجة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وتركت مالًا كثيرًا جدًا من ذلك ألف جارية وثمانون طواشيًا أعتقت الجميع‏.‏

وهي صاحبة التربة بالصحراء معروفة بها‏.‏

وهي التي تولت تربية السلطان الملك الناصر حسن بعد موت أمه من أيام الملك الناصر محمد‏.‏

وكانت من أعظم نساء وقتها وأحشمهن وأسعدهن‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام الأديب البارع صفي الدين عبد العزيز بن سرايا بن علي بن أبي القاسم بن أحمد بن نصر بن أبي العز بن سرايا بن كيافا بن عبد الله السنبسي الحلي الشاعر المشهور في سلخ ذي الحجة‏.‏

ومولده في خامس شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وستمائة وقدم القاهرة مرتين ومدح الملك المؤيد صاحب حماة ومدح ملوك ماردين بني أرتق وله فيهم غرز القصائد وتقدم في نظم الشعر‏.‏

ومدح النبي صلى الله عليه وسلم بالقصيدة المعروفة بالبديعة وله ديوان شعر كبير وشعره سار شرقًا وغربًا‏.‏

وهو أحد فحول الشعراء‏.‏

وفيه يقول الشيخ جمال الدين محمد بن نباته‏:‏ يا سائلي عن رتبة الحلي في نظم القريض راضيًا بي أحكم للشعر حليان ذلك راجح ذهب الزمان به وهذا قيم ومن شعر الصفي الحلي‏:‏ أستطلع الأخبار من نحوكم وأسأل الأرواح حمل السلام وكلما جاء غلام لكم أقول يا بشراي هذا غلام ومن شعره قصيدته التي أولها‏:‏ كيف الضلال وصبح وجهك مشرق وشذاك في الأكوان مسك يعبق يا من إذا سمرت محاسن وجهه ظلت به حدق الخلائق تحدق أوضحت عذري في هواك بواضح ماء الحيا بأديمه يترقرق فإذا العذول رأى جمالك قال لي عجبًا لقلبك كيف لا يتمزق أغنيتني بالفكر فيك عن الكرى يا آسري فأنا الغني المملق ومنها أيضًا‏:‏ لم أنس ليلة زارني ورقيبه يبدي الرضا وهو المغيظ المحنق حتى إذا عبث الكرى بجفونه كان الوسادة ساعدي والمرفق عانقته وضممته فكأنه من ساعدي ممنطق ومطوق حتى بدا فلق الصباح فراعه إن الصباح هو العدو الأزرق وقد استوعبنا من شعره وأحواله قطعة جيدة في تاريخنا ‏"‏ المنهل الصافي ‏"‏‏.‏

رحمه الله تعالى إن كان مسيئًا‏.‏

وتوفي الشيخ الصالح المعتقد عبد الله المنوفي الفقيه المالكي في يوم الأحد ثامن شهر رمضان ودفن بالصحراء وقبره بها معروف يقصد للزيارة والتبرك‏.‏

وتوفي الإمام العلامة شيخ الشيوخ بدمشق علاء الدين علي بن محمود بن حميد القونوي الحنفي في رابع شهر رمضان وكان إمامًا فقيهًا بارعًا صوفيًا صالحًا‏.‏

رحمه الله‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام البارع المفتن الأديب الفقيه زين الدين عمر بن المظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس بن علي المعري الحلبي الشافعي المعروف بابن الوردي ناظم ‏"‏ الحاوي في الفقه رحمه الله وقد جاوز الستين سنة بحلب في سابع عشرين ذي الحجة‏.‏

وقد آستوعبنا من شعره ومشايخه نبذة كبيرة في ‏"‏ المنهل الصافي ‏"‏ إذ هو كتاب تراجم محله الإطناب في مثل هؤلاء‏.‏

ومن شعره ما قاله في مقرىء‏:‏ ووعدت أمس بأن تزور فلم تزر فغدوت مسلوب الفؤاد مشتتا لي مهجة في النازعات وعبرة في المرسلات وفكرة في هل أتى وله عفا الله عنه‏:‏ تجادلنا‏:‏ أماء الزهر أذكى أم الخلاف أم ورد القطاف وعقبى ذلك الجدل اصطلحنا وقد حصل الوفاق على الخلاف وتوفي الأمير الطواشي عنبر السحرتي لالاة السلطان الملك الكامل شعبان ومقدم المماليك السلطانية منفيًا في القدس بعد أن امتحن وصودر‏.‏

وكان رأى من العز والجاه والحرمة في أيام الكامل شعبان ما لا مزيد عليه حسب ما ذكرنا منه نبذة في ترجمة الملك الكامل المذكور‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين كوكاي بن عبد الله المنصوري السلاح دار أحد أعيان أمراء الألوف بالديار المصرية وكان من أجل الأمراء وأسعدهم خلف أكثر من أربعمائة ألف دينار عينًا‏.‏

وهو صاحب التربة والمئذنة التي بالصحراء على رأس الهدفة تجاه تربة الملك الظاهر برقوق‏.‏

وكان شجاعًا مقدامًا‏.‏

طالت أيامه في السعادة‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين قطز بن عبد الله الأمير آخور ثم نائب صفد بدمشق وهو أحد أمرائها في يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة‏.‏

وكان من أعيان أمراء مصر ولي عدة ولايات جليلة‏.‏

وتوفي الآمير سيف الدين نكباي بن عبد الله البريدي المنصوري‏.‏

كان أحد مماليك الملك المنصور قلاوون‏.‏

ولي قطيا والإسكندرية ثم أنعم عليه بإمرة طبلخاناه واستقر مهمندارًا‏.‏

وإليه تنسب دار نكباي خارج مدينة مصر على النيل وعني بعمارتها فلم يتمتع بها‏.‏

وتوفي الأمير شرف الدين محمود بن خطير أخو الأمير مسعود‏.‏

وأظنه صاحب الجامع بالحسينية خارج القاهرة‏.‏

وتوفي الشيخ المحدث الواعظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن ميلق الشاذلي‏.‏

كان يجلس ويذكر الناس ويعظ وكان لوعظه تأثير في النفوس‏.‏

وتوفي الشيخ المعتقد زين الدين أبو بكر بن النشاشيبي‏.‏

كان له قدم وللناس فيه محبة وآعتقاد‏.‏

رحمه الله‏.‏

وتوفي الرئيس شمس الدين أبو عبد الله بن إبراهيم بن عمر الأسيوطي ناظر بيت المال‏.‏

كان معدودًا من أعيان الديار المصرية وله ثروة‏.‏

وإليه ينسب جامع الأسيوطي بخط جزيرة الفيل‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

وحولت هذه السنة إلى سنة خمسين‏.‏

والله أعلم‏.‏

السنة الثانية من سلطنة الناصر حسن الأولى على مصر وهي سنة خمسين وسبعمائة‏.‏

فيها توفي مكين الدين إبراهيم بن قروينة بطالًا بعدما ولي استيفاء الصحبة ونظر البيوت ثم نظر الجيش مرتين ثم تعطل إلى أن مات‏.‏

وكان من أعيان الكتاب ورؤسائهم‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين أرغون شاه بن عبد الله الناصري نائب الشام مذبوحًا في ليلة الجمعة رابع عشرين شهر ربيع الأول‏.‏

وكان من أعيان مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخواصه رباه وجعله أمير طبلخاناه رأس نوبة الجمدارية‏.‏

ثم استقر بعد وفاته أستادارًا أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر فتحكم على الملك الكامل شعبان حتى أخرجه لنيابة صفد وولي بعدها نيابة حلب ثم نيابة الشام‏.‏

وكان خفيفًا قوي النفس شرس الأخلاق مهابًا جبارًا في أحكامه سفاكًا للدماء غليظًا فاحشًا كثير المال والحشم‏.‏

وكان أصله من بلاد الصين حمل إلى بوسعيد بن خربندا ملك التتار فأخذه دمشق خجا بن جوبان ثم ارتجعه بوسعيد بعد قتل دمشق خجا بن جوبان وبعث به إلى الناصر هدية ومعه ملكتمر السعيدي‏.‏

وقد تقدم من ذكر أرغون شاه هذا نبذة كبيرة في عدة تراجم من هذا الكتاب من أول آبتداء أمره حتى كيفية قتله في ترجمة الملك الناصر حسن هذا فلينظر هناك‏.‏

وتوفي الأمير الكبير سيف الدين أرقطاي بن عبد الله المنصوري نائب السلطنة بالديار المصرية ثم نائب حلب ثم ولي نيابة دمشق فلما خرج منها متوجهًا إلى دمشق مات بظاهرها عن نحو ثمانين سنة في يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى‏.‏

وأصله من مماليك الملك المنصور قلاوون رباه الطواشي فاخر أحسن تربية إلى أن توجه الملك الناصر إلى الكرك توجه معه فلما عاد الملك الناصر إلى ملكه جعله من جملة الأمراء ثم سيرة صحبة الأمير تنكز إلى الشام وأوصى تنكز ألا يخرج عن رأيه فأقام عنده مدة‏.‏

ثم تنكر عليه الناصر محمد بن قلاوون وولاه نيابة حمص سنتين ونصفًا ثم نقله إلى نيابة صفد فأقام بها ثماني عشرة سنة‏.‏

ثم قدم مصر فأقام بها خمس سنين وجرد إلى إياس‏.‏

ثم ولي نيابة طرابلس ومات الملك الناصر محمد فقدم مصر بعد موته فقبض عليه‏.‏

ثم أفرج عنه‏.‏

وبعد مدة ولي نيابة حلب ثم عزل وطلب إلى مصر فصار يجلس رأس الميمنة‏.‏

ثم ولي نيابة السلطنة بالديار المصرية نحو سنتين‏.‏

ثم أخرج لنيابة حلب ثانيًا بحسب سؤاله في ذلك‏.‏

فأقام بها مدة‏.‏

ثم نقل إلى نيابة الشام بعد قتل أرغون شاه فمات خارج حلب قبل أن يباشر دمشق ودفن بحلب‏.‏

وكان أميرًا جليلًا عظيمًا مهابًا عاقلًا سيوسًا مشكور السيرة محببًا للرعية‏.‏

وقد تقدم من أخباره ما يغني عن الإعادة هنا‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين ألجيبغا بن عبد الله المظفري نائب طرابلس موسطا بسوق خيل دمشق في يوم الإثنين ثاني شهر ربيع الآخر بمقتضى قتله الأمير أرغون شاه نائب الشام وقد تقدم كيفية قتله أرغون شاه في ترجمة السلطان حسن هذا وأيضًا واقعة توسيطه مفصلًا هناك‏.‏

وكان ألجيبغا من مماليك المظفر حاجي ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون ومن خواصه‏.‏

وقتل ألجيبغا وسنه دون العشرين سنة بعد أن صار أمير مائة ومقدم ألف بمصر والشام ونائب طرابلس ووسط معه إياس الآتي ذكره‏.‏

وتوفي الأمير فخر الدين إياس بن عبد الله الناصري موسطًا أيضًا بسوق خيل دمشق لموافقته ألجيبغا المقدم ذكره على قتل أرغون شاه في التاريخ المذكور أعلاه‏.‏

وكان أصل إياس هذا من الأرمن وأسلم على يد الملك الناصر محمد بن قلاوون فرقاه حتى عمله شاد العمائر‏.‏

ثم أخرجه إلى الشام شاد الدواوين‏.‏

ثم صار حاجبًا بدمشق ثم نائبًا بصفد ثم نائبًا بحلب‏.‏

ثم عزل بسعي أرغون شاه به وقدم دمشق أميرًا في نيابة أرغون شاه دمشق فصار أرغون شاه يهينه وإياس يومئذ تحت حكمه فحقد عليه واتفق مع ألجيبغا نائب طرابلس حتى قتلاه ذبحًا حسب ما ذكرناه مفصلًا في ترجمة السلطان الملك الناصر حسن‏.‏

وتوفي الإمام العلامة قاضي القضاة علاء الدين علي ابن القاضي فخر الدين عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني الحنفي المعروف بالتركماني - رحمه الله تعالى - في يوم الثلاثاء عاشر المحرم بالقاهرة‏.‏

ومولده في سنة ثلاث وثمانين وستمائة وهو أخو العلامة تاج الدين أحمد ووالد الإمامين العالمين‏:‏ عز الدين عبد العزيز وجمال الدين عبد الله وعم العلامة محمد بن أحمد يأتي ذكر كل واحد من هؤلاء في محله إن شاء الله تعالى‏.‏

وكان قاضي القضاة علاء الدين إمامًا فقيهًا بارعًا نحويًا أصوليًا لغويًا‏.‏

أفتى ودرس وأشغل وألف وصنف وكان له معرفة تامة بالأدب وأنواعه وله نظم ونثر‏.‏

كان إمام عصره بلا مدافعة لا سيما في العلوم العقلية والفقه أيضًا والحديث وتصدى للإقرار عدة سنين‏.‏

وتولى قضاء الحنفية بالديار المصرية في شوال سنة ثمان وأربعين وسبعمائة عوضًا عن قاضي القضاة زين الدين البسطامي وحسنت سيرته ودام قاضيًا إلى أن مات‏.‏

وتولى عوضه ولده جمال الدين عبد الله‏.‏

ومن مصنفاته - رحمه الله - كتاب ‏"‏ بهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله العزيز من الغريب ‏"‏ و ‏"‏ المنتخب في علوم الحديث ‏"‏ ‏"‏ والمؤتلف والمختلف ‏"‏ و ‏"‏ الضعفاء والمتروكون ‏"‏ و ‏"‏ الدر النقي في الرد على البيهقي ‏"‏ وهو جليل في معناه يدل على علم غزير واطلاع كثير و ‏"‏ مختصر المحصل في الكلام ‏"‏ و ‏"‏ مقدمة في أصول الفقه ‏"‏ و ‏"‏ الكفاية في مختصر الهداية ‏"‏ و ‏"‏ مختصر رسالة القشيري ‏"‏ وغير ذلك‏.‏

وتوفي قاضي القضاة تقي الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران السعدي الأخنائي المالكي في ليلة الثالث من صفر‏.‏

ومولده في شهر رجب سنة أربع وستين وستمائة‏.‏

وكان فقيهًا فاضلًا محدثًا بارعًا‏.‏

ولي شهادة الخزانة ثم تولى قضاء الإسكندرية ثم نقل لقضاء دمشق بعد علاء الدين القونوي‏.‏

وحسنت سيرته‏.‏

وتولى بعده جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة‏.‏

وتوفيت خوند بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون زوجة الأمير طاز‏.‏

وخلفت أموالًا كثيرة‏.‏

أبيع موجودها بباب القلة من القلعة بخمسمائة ألف درهم من جملة ذلك قبقاب مرصع بأربعين وتوفي شيخ القراء شهاب الدين أحمد بن أحمد بن الحسين المعروف بالهكاري بالقاهرة في جمادى الأولى‏.‏

وكان إمامًا في القراءات تصدى للإقرار عدة سنين وانتفع به الناس‏.‏

وتوفي الأمير طقتمر بن عبد الله الشريفي بعد ما عمي ولزم داره وكان من أعيان الأمراء‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام نجم الدين عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم بن محمد ابن إبراهيم بن علي القرشي الأصفوني الشافعي بمنى في ثالث عشر ذي الحجة‏.‏

وكان فقيهًا عالمًا مصنفًا ومن مصنفاته‏:‏ ‏"‏ مختصر الروضة في الفقه ‏"‏‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وأربع أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الثالثة من سلطنة الناصر حسن الأولى على مصر وهي سنة إحدى وخمسين وسبعمائة‏.‏

فيها توفي الأمير سيف الدين دلنجي بن عبد الله ودلنجي هو المكدي باللغة التركية‏.‏

كان أصله من الأتراك وقدم إلى الديار المصرية سنة ثلاثين وسبعمائة فأنعم عليه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بإمرة عشرة ثم إمرة طبلخاناه‏.‏

ثم ولي نيابة غزة بعد الأمير تلجك فأوقع بالمفسدين ببلاد غزة وأبادهم وقويت حرمته‏.‏

وكان شجاعًا مهابًا‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الحنبلي المعروف بابن قيم الجوزية بدمشق في ثالث عشر شهر رجب‏.‏

ومولده سنة إحدى وتسعين وستمائة‏.‏

وكان بارعًا في عدة علوم ما بين تفسير وفقه وعربية ونحو وحديث وأصول وفروع‏.‏

ولزم شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية بعد عوده من القاهرة في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وأخذ منه علمًا كثيرًا حتى صار أحد أفراد زمانه‏.‏

وتصور للإقراء والإفتاء سنين وانتفع به الناس قاطبة وصنف وألف وكتب‏.‏

وقد استوعبنا أحواله ومصنفاته وبعض مشايخه في ترجمته في ‏"‏ المنهل الصافي ‏"‏ كما ذكرنا أمثاله‏.‏

وتوفي الأمير حسام الدين لاجين بن عبد الله العلائي الناصري‏.‏

أصله من مماليك الناصر محمد ثم صار أمير جاندار في دولة الملك المظفر حاجي فإنه كان زوج أمه‏.‏

ثم ولي أمير آخور فلما قتل الملك المظفر في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة عزل وأخرج إلى حلب على إقطاع الأمير حسام الدين محمود بن داود الشيباني فدام بحلب إلى أن مات بها وقيل بغيرها‏.‏

وتوفي الشيخ فخر الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن إبراهيم بن عبد الكريم المصري الفقيه الشافعي بدمشق في سادس عشرين ذي القعدة ومولده سنة إحدى وتسعين وستمائة‏.‏

وكان فقيهًا عالمًا فاضلًا بارعًا في فنون‏.‏

وتوفي ابن قرمان صاحب جبال الروم بعد مرض طويل‏.‏

قلت‏:‏ وبنو قرمان هؤلاء هم من ذرية السلطان علاء الدين كيقباد السلجوقي وهم ملوك تلك البلاد إلى يومنا هذا وقد تقدم من ذكرهم جماعة كثيرة في هذا الكتاب‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع ونصف وقيل خمس أذرع وسبع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا‏.‏

ونزل في خامس توت وشرقت البلاد‏.‏

السنة الرابعة من سلطنة الناصر حسن الأولى على مصر وهي سنة آثنتين وخمسين وسبعمائة وهي التي خلع فيها السلطان حسن المذكور في سابع وعشرين جمادى الآخرة وحكم في باقيها أخوه الملك الصالح صالح ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون‏.‏

فيها توفي السيد الشريف أدي أمير المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام في وتوفي الأمير سيف الدين طشبغا بن عبد الله الناصري الدوادار‏.‏

كان من أول دولة الملك الناصر حسن استقر طشبغا هذا دوادارًا عوضه في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة واستمر على ذلك إلى أن توفي‏.‏

وكان خيرًا دينًا فاضلًا عاقلًا‏.‏

وتوفي قاضي القضاة الحنفية بحلب ناصر الدين محمد بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الحسن بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله ابن أحمد بن يحيى بن أبي جرادة المعروف بابن العديم الحلبي بحلب عن ثلاث وستين سنة‏.‏

وقد تقدم ذكر جماعة من آبائه وأقاربه في هذا الكتاب وسيأتي ذكر جماعة أخر من أقاربه كل واحد في محله‏.‏

إن شاء الله تعالى‏.‏

وتوفي ملك الغرب أبو الحسن علي بن أبي سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة في ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من شهر ربيع الأول وقام في الملك من بعده ابنه أبو عنان فارس‏.‏

وكانت مدة ملكه إحدى وعشرين سنة‏.‏

وتوفي القاضي شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم بن عبد الله بن محمد بن محمد بن خالد بن محمد بن نصر المعروف بابن القيسراني موقع الدست وصاحب المدرسة بسويقة الصاحب داخل القاهرة وبها دفن وكان معدودًا من الرؤساء الأماثل‏.‏

وتوفي الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي أحد أمراء الطبلخاناه بالديار المصرية وهو مجرد ببلاد الصعيد فحمل إلى القاهرة ميتًا في يوم الأحد ثاني عشرين شهر رمضان‏.‏

وتوفي الإمام تاج الدين أبو الفضل محمد بن إبراهيم بن يوسف المراكشي الأصل الشافعي بدمشق في جمادى الآخرة‏.‏

وكان فقيهًا فاضلًا بارعًا معدودًا من فقهاء الشافعية‏.‏

وتوفي القاضي علاء الدين علي بن محمد بن مقاتل الحراني ثم الدمشقي ناظر دمشق بالقدس الشريف في عاشر شهر رمضان‏.‏

قلت‏:‏ لعل علاء الدين هذا غير الأديب علاء الدين بن مقاتل الزجال الحموي لأني أحفظ وفاة هاذاك في سنة إحدى وستين وسبعمائة وهكذا أرخناه في ‏"‏ المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي ‏"‏‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وخمس أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإصبع واحدة‏.‏

والله أعلم‏.‏

سلطنة الملك الصالح صالح ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون هو العشرون من ملوك الترك بديار مصر والثامن من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون وأمه خوند قطلو ملك بنت الأمير تنكز الناصري نائب الشام‏.‏

تسلطن بعد خلع أخيه الملك الناصر حسن في يوم الإثنين ثامن عشرين جمادى الآخرة سنة آثنتين وخمسين وسبعمائة باتفاق الأمراء على ذلك‏.‏

وأمره أن الأمراء لما حملت لهم نمجاة الملك وأخبروا بأن الناصر حسنًا خلع نفسه وهم وقوف بقية النصر خارج القاهرة توجهوا إلى بيوتهم وباتوا تلك الليلة وهي ليلة الإثنين بإسطبلاتهم وأصبحوا بكرة يوم الإثنين طلعوا إلى القلعة واجتمعوا بالرحبة داخل باب النحاس وطلبوا الخليفة والقضاة وسائر الأمراء وأرباب الدولة واستدعوا بالصالح هذا من الدور السلطانية فأخرج لهم فقاموا له وأجلسوه وبايعوه بالسلطنة وألبسوه شعار الملك وأبهة السلطنة وأركبوه فرس النوبة من داخل باب الستارة ورفعت الغاشية بين يديه ومشت الأمراء والأعيان بين يديه والأمير طاز والأمير منكلي بغا آخذان بشكيمة فرسه وسار على ذلك حتى نزل وجلس على تخت الملك بالقصر‏.‏

وقبلت الأمراء الأرض بين يديه وحلفوا له وحلفوه على العادة ولقبوه بالملك الصالح ونودي بسلطنته بمصر والقاهرة ودقت الكوسات وزينت القاهرة وسائر بيوت الأمراء‏.‏

وقبل سلطنته كان النيل نقص عند ما كسر عليه فرد نقصه ونودي عليه بزيادة ثلاث ثم توجه الأمير بزلار أمير سلاح إلى الشام ومعه التشاريف والبشارة بولاية السلطان الملك الصالح وتحليف العساكر الشامية له على العادة‏.‏

ثم طلب الأمير طاز والأمير مغلطاي مفاتيح الذخيرة ليعتبرا ما فيها فوجدا شيئًا يسيرًا‏.‏

ثم رسم للصاحب علم الدين عبد الله بن زنبور بتجهيز تشاريف الأمراء وأرباب الوظائف على العادة فجهزها في أسرع وقت‏.‏

ووقف الأمير طاز وسأل السلطان والأمراء الإفراج عن الأمير شيخون العمري فرسم بذلك وكتب كل من مغلطاي وطاز كتابًا وبعث مغلطاي أخاه قطليجا رأس نوبة وبعث طاز الأمير طقطاي صهره وجهزت له الحراقة لإحضاره من الإسكندرية في يوم الثلاثاء تاسع عشرين جمادى الآخرة من سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة المذكورة‏.‏

وكان ذلك بغير اختيار الأمير مغلطاي إلا أن الأمير طاز دخل عليه وألح عليه في ذلك حتى وافقه على مجيئه بعد أن قال له‏:‏ أخشى على نفسي من مجيء شيخون إلى مصر فحلف له طاز أيمانًا مغلظة أنه معه على كل ما يريد ولا يصيبه من شيخون ما يكره وأن شيخون إذا حضر لا يعارضه في شيء من أمر المملكة ‏"‏ وإني ضامن له في هذا ‏"‏ وما زال به حتى أذعن وكتب له مع أخيه‏.‏

فشق ذلك على الأمير منكلي بغا الفخري وعتب مغلطاي على موافقة طاز وعرفه أن بحضور شيخون إلى مصر يزول عنهم ما هم فيه فتقرر في ذهن مغلطاي ذلك وندم على ما كان منه إلى أن كان يوم الخميس أول شهر رجب وركب الأمراء في الموكب على العادة أخذ منكلي بغا يعرف النائب والأمراء بإنكار ما دار بينه وبين مغلطاي وحذرهم من حضور شيخون إلى أن وافقوه وطلعوا إلى القلعة ودخلوا إلى الخدمة‏.‏

فآبتدأ النائب بحضور شيخون وقال‏:‏ ‏"‏ إنه رجل كبير ويحتاج إلى إقطاع كبير وكلف كثيرة ‏"‏‏.‏

فتكلم مغلطاي ومنكلي بغا والأمراء وطاز ساكت قد آختبط لتغير مغلطاي ورجوعه على ما وافقه عليه‏.‏

وأخذ طاز يتلطف بهم فصمم مغلطاي على ما هو عليه وقال‏:‏ ‏"‏ مالي وجه أنظر به شيخون وقد أخذت منصبه ووظيفته وسكنت في بيته ‏"‏ فوافقه النائب وقال لناظر الجيش‏:‏ اكتب له مثالًا بنيابة حماة فكتب ناظر الجيش ذلك في الوقت وتوجه به أيدمر الدوادار في الحال في حراقة وعين لسفر شيخون عشرون هجينًا ليركبها ويسير عليها إلى حماة‏.‏

وآنفضوا وفي نفس طاز ما لا يعبر عنه من القهر ونزل واتفق هو والأمير صرغتمش وملكتمر وجماعة واتفقوا جميعًا وبعثوا إلى مغلطاي بأن ‏"‏ منكلي بغا رجل فتني وما دام بيننا لا نتفق أبدا ‏"‏ فلم يصغ مغلطاي إلى قولهم واحتج بأنه إن وافقهم لا يأمن على نفسه‏.‏

فدخل عليه طاز ليلًا بالأشرفية من قلعة الجبل حيث هي مسكن مغلطاي وخادعه حتى أجابه إلى إخراج منكلي بغا وتحالفا على ذلك فما هو إلا أن خرج عنه طاز أخذ دوادار مغلطاي يقبح على مغلطاي ما صدر منه ويهول عليه الأمر بأنه متى أبعد منكلي بغا وحضر شيخون أخذ لا وبلغ الخبر منكلي بغا بكرة يوم الجمعة ثانيه فواعد النائب والأمراء على الاجتماع في صلاة الجمعة ليقع الاتفاق على ما يكون فلم يخف عن طاز وصرغتمش رجوع مغلطاي عما تقرر بينه وبين طاز ليلًا فاستعدا للحرب وواعدا الأمير ملكتمر المحمدي والأمير قردم الحموي ومن يهوى هواهم واستمالوا مماليك بيبغا أرس ومماليك منجك حتى صاروا معهم رجاء لخلاص أستاذيهم‏.‏

وشد الجميع خيولهم‏.‏

فلما دخل الأمراء لصلاة الجمعة اجتمع منكلي بغا بالنائب وجماعته وقرر معهم أن يطلبوا طاز وصرغتمش إلى عندهم في دار النيابة ويقبضوا عليهما‏.‏

فلما أتاهما الرسول من النائب يطلبهما أحسا بالشر وقاما ليتهيئا للحضور وصرفا الرسول على أنهما يكونان في أثره وبادرا إلى باب الدور ونحوه من الأبواب فأغلقاها وآستدعوا من معهم من المماليك السلطانية وغيرها ولبسوا السلاح‏.‏

ونزل صرغتمش بمن معه من باب السر ليمنع من يخرج من إسطبلات الأمراء‏.‏

ودخل طاز على السلطان الملك الصالح حتى يركب به للحرب فلقي الأمير صرغتمش في نزوله الأمير أيدغدي أمير آخور فلم يطق منعه وأخذ بعض الخيول من الاسطبل وخرج منه فوجد خيله وخيل من معه في انتظارهم‏.‏

فركبوا إلى الطبلخاناه فإذا طلب منكلي بغا مع ولده ومماليكه يريدون قبة النصر فألقوا ابن منكلي بغا عن فرسه وجرحوه في وجهه وقتلوا حامل الصنجق وشتتوا شمل الجميع‏.‏

فما استتم هذا حتى ظهر طلب مغلطاي مع مماليكه ولم يكن لهم علم بما وقع على طلب منكلي بغا فصدمهم صرغتمش أيضًا بمن معه صدمة بددتهم وجرح جماعة منهم وهزم بقيتهم‏.‏

ثم عاد صرغتمش ليدرك الأمراء قبل نزولهم من القلعة وكانت خيولهم واقفة على باب السلسلة تنتظرهم فمال عليها صرغتمش ليأخذها‏.‏

وامتدت أيدي أصحابه إليها وقتلوا الغلمان فعظم الصياح وانعقد الغبار وإذا بالنائب ومنكلي بغا ومغلطاي وبيغرا ومن معهم قد نزلوا وركبوا خيولهم وكانوا لما أبطأ عليهم حضور طاز وصرغتمش بعثوا في استحثاثهم فإذا الأبواب مغلقة والضجة داخل باب القلعة فقاموا من دار النيابة يريدون الركوب فما توسطوا بالقلعة حتى سمعوا ضجة الغلمان وصياحهم فأسرعوا إليهم وركبوا فشهر مغلطاي سيفه وهجم بمن معه على صرغتمش ومر النائب وبيغرا ورسلان بصل يريد كل منهم إسطبله‏.‏

فلم يكن غير ساعة حتى انكسر مغلطاي من صرغتمش كسرة قبيحة وجرح كثير من أصحابه وفر إلى جهة قبة النصر وهم في أثره وانهزم منكلي بغا أيضًا‏.‏

وكان طاز لما دخل على السلطان عرفه أن النائب والأمراء اتفقوا على إعادة الملك الناصر حسن إلى السلطنة فمال السلطان الملك الصالح إلى كلامه‏.‏

وقام معه في مماليكه ونزل إلى الإسطبل واستدعى بالخيول ليركب فقعد به أيدغدي أمير آخور واحتج بقلة السروج فإنه كان من حزب الأمراء والمماليك والأجناد من كل جهة حتى عظم جمعه فلم تغرب الشمس إلا والمدينة قد أغلقت وآمتلأت الرميلة بالعامة‏.‏

وسار طاز بالسلطان يريد قبة النصر حتى يعرف خبر صرغتمش فوافى قبة النصر بعد المغرب فوجد صرغتمش قد تمادى في طلب مغلطاي ومنكلي بغا حتى أظلم الليل فلم يشعر إلا بمملوك النائب قد أتاه برسالة النائب أن مغلطاي عنده في بيت آل ملك بالحسينية فبعث صرغتمش جماعة لأخذه‏.‏

ومر صرغتمش في طلب منكلي بغا فلقيه الأمير محمد بن بكتمر الحاجب وعرفه أن منكلي بغا نزل قريبًا من قناطر الأميرية ووقف يصلي وأن طلب الأمير مجد الدين موسى بن الهذباني قد جاء من جهة كوم الريش‏.‏

ولحق بالأمير منكلي بغا الأمير أرغون ألبكي في جماعة فقبض عليه وهو قائم يصلي وكتفوه بعمامته وأركبوه بعد ما نكلوا به‏.‏

فلم يكن غير قليل حتى أتوا به وبمغلطاي فقيدا وحبسا بخزانة شمائل ثم أخرجا إلى الإسكندرية ومعهما ابنا منكلي بغا فسجنوا بها‏.‏

وأما صرغتمش فإنه لما فرغ من أمر مغلطاي ومنكلي بغا وقبض عليهما أقبل على السلطان بمن معه بقبة النصر وعرفه بمسك الأميرين فسر السلطان سرورًا كبيرًا ونزل هو والأمراء وباتوا بقية النصر‏.‏